أصل البطن الجارحة، وجمعه بطون، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ النجم/32، وقد بطنته: أصبت بطنه، والبطن: خلاف
الظهر في كل شيء، ويقال للجهة السفلى: بطن، وللجهة العليا: ظهر، وبه شبه
بطن الأمر وبطن الوادي، والبطن من العرب اعتبارا بأنهم كشخص واحد، وأن كل
قبيلة منهم كعضو بطن وفخذ وكاهل، وعلى هذا الاعتبار قال الشاعر: الناس جسم
وإمام الهدى *** رأس وأنت العين في الرأس (البيت لعلي بن جبلة العكوك في
حميد الطوسي، وهو في ديوانه ص 74؛ وعقد الخلاص في نقد كلام الخواص لابن
الحنبلي ص 200؛ وذيل أمالي القالي 3/96؛ والأغاني 18/113؛ وله قصة فيه)
بطؤ
البطء: تأخر الانبعاث في السير، يقال: بطؤ وتباطأ واستبطأ وأبطأ، فبطؤ إذا
تخصص بالبطء، وتباطأ تحرى وتكلف ذلك، واستبطأ: طلبه، وأبطأ (وهذا بمعنى
الصيرورة، حيث إن صيغة أفعل تأتي للتصيير والصيرورة، والأول من الفعل
المتعدي والثاني من اللازم وفي هذا قال شيخنا:
أفعل للتصيير جا كأكفلا صيرورة كذاك مثل أبقلا
فأول مثال ذي التعدي والثاني للزوم وفقا يبدي
صار ذا بطء ويقال: بطأه وأبطأه، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن
لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ النساء/72 أي: يثبط غيره. وقيل: يكثر هو التثبط في نفسه،
والمقصد من ذلك أن منكم من يتأخر ويؤخر غيره.
ويقال لكل غامض: بطن، ولكل ظاهر: ظهر، ومنه: بطنان القدر وظهرانها، ويقال لما تدركه الحاسة: ظاهر، ولما يخفى عنها: باطن.
قال عز وجل: ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ الأنعام/120، ﴿مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ الأنعام/151، والبطين: العظيم البطن، والبطن:
الكثير الأكل، والمبطان: الذي يكثر الأكل حتى يعظم بطنه، والبطنة: كثرة
الأكل، وقيل: (البطنة تذهب الفطنة) (جاء عند أبي نعيم في الطب النبوي قال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم والبطنة في الطعام والشراب فإنها مفسدة
للجسم، مورثة للفشل، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح.
راجع: كشف الخفاء 1/286؛ والمقاصد الحسنة ص 124 و144).
وقد بطن الرجل بطنا: إذا أشر من الشبع ومن كثرة الأكل، وقد بطن الرجل: عظم
بطنه، ومبطن: خميص البطن، وبطن الإنسان: أصيب بطنه، ومنه: رجل مبطون: عليل
البطن، والبطانة: خلاف الظهارة، وبطنت ثوبي بآخر: جعلته تحته.
وقد بطن فلان بفلان بطونا، وتستعار البطانة لمن تختصه بالاطلاع على باطن أمرك.
قال عز وجل: ﴿لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ﴾ آل عمران/118 أي:
مختصا بكم يستبطن أموركم، وذلك استعارة من بطانة الثوب، بدلالة قولهم:
لبست فلانا: إذا اختصصته، وفلان شعاري ودثاري، وروي عنه صلى الله عليه وسلم
أنه قال: (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان:
بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحثه عليه) (الحديث
الصحيح كما قال البغوي، وقد أخرجه النسائي 7/158؛ وأحمد 3/237؛ والترمذي
(2370) وقال: حسن صحيح؛ وانظر: شرح السنة 10/75).
والبطان: حزام يشد على البطن، وجمعه: أبطنة وبطن، والأبطنان: عرقان يمران على البطن.
والبطين: نجم هو بطن الحمل، والتبطن: دخول في باطن الأمر.
والظاهر والباطن في صفات الله تعالى: لا يقال إلا مزدوجين، كالأول والآخر
(راجع: المقصد الأسنى ص 106)، فالظاهر قيل: إشارة إلى معرفتنا البديهية،
فإن الفطرة تقتضي في كل ما نظر إليه الإنسان أنه تعالى موجود، كما قال:
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ الزخرف/84؛
ولذلك قال بعض الحكماء: مثل طالب معرفته مثل من طوف في الآفاق في طلب ما هو
معه.
والباطن: إشارة إلى معرفته الحقيقية، وهي التي أشار إليها أبو بكر رضي الله عنه بقوله: يا من غاية معرفته القصور عن معرفته.
وقيل: ظاهر بآياته بذاته، وقيل: ظاهر بأنه محيط بالأشياء مدرك لها، باطن من
أن يحاط به، كما قال عز وجل: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ الأنعام/103.
وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه ما دل على تفسير اللفظتين حيث قال:
(تجلى لعباده من غير أن رأوه، وأراهم نفسه من غير أن تجلى لهم). ومعرفة ذلك
تحتاج إلى فهم ثاقب وعقل وافر.
وقوله تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾
لقمان/20. وقيل: الظاهرة بالنبوة الباطنة بالعقل، وقيل: الظاهرة:
المحسوسات، والباطنة: المعقولات، وقيل: الظاهرة: النصرة على الأعداء
بالناس، والباطنة: النصرة بالملائكة.
وكل ذلك يدخل في عموم الآية.