قال تعالى: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ النمل/19.
بشر
البشرة: ظاهر الجلد، والأدمة: باطنه، كذا قال عامة الأدباء، وقال أبو زيد
بعكس ذلك (ذكر قوله الأزهري في تهذيبه 11/360، والذي غلطه ثعلب)، وغلطه أبو
العباس وغيره، وجمعها: بشر وأبشار، وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور
جلده من الشعر، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر،
واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع، وثني فقال تعالى: ﴿أَنُؤْمِنُ
لِبَشَرَيْنِ﴾ المؤمنون/47.
وخص في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر، نحو:
﴿الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا﴾ الفرقان/54، وقال عز وجل: ﴿إِنِّي
خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ﴾ ص/71، ولما أراد الكفار الغض من الأنبياء
اعتبروا ذلك فقالوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ المدثر/25، وقال
تعالى: ﴿أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ﴾ القمر/24، ﴿مَا أَنتُمْ
إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ يس/15، ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾
المؤمنون/47، ﴿فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ التغابن/6، وعلى هذا قال:
﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ الكهف/110، تنبيها أن الناس يتساوون
في البشرية، وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال
الجميلة، ولذلك قال بعده: ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾ الكهف/110، تنبيها أني بذلك
تميزت عنكم. وقال تعالى: ﴿لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ مريم/20 فخص لفظ البشر،
وقوله: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ مريم/17 فعبارة عن الملائكة،
ونبه انه تشبح لها وتراءى لها بصورة بشر، وقوله تعالى: ﴿مَا هَذَا
بَشَرًا﴾ يوسف/31 فإعظام له وإجلال وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره
البشر.
وبشرت الأديم: أصبت بشرته، نحو: أنفته ورجلته، ومنه: بشر الجراد الأرض إذا
أكلته، والمباشرة: الإفضاء بالبشرتين، وكني بها عن الجماع في قوله: ﴿وَلاَ
تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ البقرة/187، وقال
تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ البقرة/187.
وفلان مؤدم مبشر (قال ابن منظور: وفي الصحاح: فلان مؤدم مبشر: إذا كان
كاملا من الرجال)، أصله من قولهم: أبشره الله وآدمه، أي: جعل له بشرة وأدمة
محمودة، ثم عبر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة والباطنة.
وقيل معناه: جمع لين الأدمة وخشونة البشرة، وأبشرت الرجل وبشرته وبشرته:
أخبرته بسار بسط بشرة وجهه، وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار
الماء في الشجر، وبين هذه الألفاظ فروق، فإن بشرته عام، وأبشرته نحو:
أحمدته، وبشرته على التكثير، وأبشر يكون لازما ومتعديا، يقال: بشرته فأبشر،
أي: استبشر، وأبشرته، وقرئ: ﴿يُبَشِّرُكَ﴾ آل عمران/39 و﴿يُبَشِّرُكَ﴾
(وهي قراءة حمزة والكسائي بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين) و(يبشرك)
(وهي قراءة شاذة؛ وانظر الحجة للقراء السبعة 3/42) قال الله عز وجل:
﴿قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ، قَالَ
أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ،
قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ﴾
الحجر/53 - 54.
واستبشر: إذا وجد ما يبشره من الفرح، قال تعالى: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ
بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ﴾ آل عمران/170،
﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ﴾ آل عمران/171، وقال
تعالى: ﴿وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ الحج/67. ويقال للخبر
السار: البشارة والبشرى، قال تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ يونس/64، وقال تعالى: ﴿لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ
لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ الفرقان/22، ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ
بِالْبُشْرَى﴾ هود/69، ﴿يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ﴾ يوسف/19، ﴿وَمَا
جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى﴾ الأنفال/10.
والبشير: المبشر، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ
عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾ يوسف/96، ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾
الزمر/17، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾
الروم/46، أي: تبشر بالمطر.
وقال صلى الله عليه وسلم: (انقطع الوحي ولم يبق إلا المبشرات، وهي الرؤيا
الصالحة، يراها المؤمن أو ترى له) (الحديث صحيح أخرجه البخاري 2/331؛ ومسلم
(479) وفيه (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات)؛ وأخرجه ابن ماجه 1/1283؛ وانظر:
شرح السنة 12/204) وقال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ﴾ يس/11، وقال:
﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ آل عمران/21، ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ
بِأَنَّ لَهُمْ﴾ النساء/138، ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ﴾ التوبة/3 فاستعارة ذلك تنبيه أن أسر ما يسمعونه الخبر بما ينالهم
من العذاب، وذلك نحو قول الشاعر: تحية بينهم ضرب وجيع (هذا عجز بيت لعمرو
بن معد يكرب، وصدره:
وخيل قد دلفت لها بخيل، وهو في البصائر 2/201؛ وخزانة الأدب 9/252؛ وديوانه ص 149؛ والممتع ص 260؛ والخصائص 1/368)
ويصح أن يكون على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ
إِلَى النَّارِ﴾ إبراهيم/30، وقال عز وجل: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم
بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ
كَظِيمٌ﴾ الزخرف/17.
ويقال: أبشر، أي: وجد بشارة، نحو: أبقل وأمحل، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ
الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فصلت/30، وأبشرت الأرض: حسن طلوع نبتها، ومنه
قول ابن مسعود رضي الله عنه: (من أحب القرآن فليبشر) (أخرجه ابن أبي شيبة
6/133 وانظره: في الغريبين 1/180؛ واللسان (بشر)؛ والنهاية 1/129) أي:
فليسر. قال الفراء إذا ثقل فمن البشرى، وإذا خففت فمن السرور يقال: بشرته
فبشر، نحو: جبرته فجبر، وقال سيبويه (الكتاب 2/235) : فأبشر، قال ابن قتيبة
(في غريب الحديث 2/234) : هو من بشرت الأديم، إذا رققت وجهه، قال: ومعناه
فليضمر نفسه، كما روي: (إن وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضمر من الرجال)
(راجع: اللسان (بشر) 4/60. الحديث أخرجه ابن مردويه والطبراني عن أبي
الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمامكم عقبة كؤدا لا
يجوزها المثقلون، فأنا أريد أتخفف لتلك العقبة) وإسناده صحيح. راجع: الدر
المنثور 8/523؛ والرغيب والترهيب 4/85. وأسباب ورود الحديث 2/42 وأخرجه
البزار بلفظ: (إن بين أيديكم عقبة)، وعلى الأول قول الشاعر:
فأعنهم وابشر بما بشروا به *** وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
(البيت لعبد قيس بن خفاف وهو شاعر جاهلي كان يعاصر حاتم طيئ. والبيت في
المفضليات ص 384؛ والأصمعيات ص 230؛ واللسان (بشر)، وتهذيب إصلاح المنطق
1/89؛ ومعاني الفراء 1/212)
وتباشير الوجه وبشره: ما يبدو من سروره، وتباشير الصبح: ما يبدو من أوائله.
وتباشير النخيل: ما يبدو من رطبه، ويسمى ما يعطي المبشر: بشرى وبشارة.