أصل البرد خلاف الحر، فتارة يعتبر ذاته فيقال: برد كذا، أي: اكتسب بردا،
وبرد الماء كذا، أي: أكسبه بردا، نحو: ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا *** (هذا
عجز بيت لمالك بن الريب، وصدره: وعطل قلوصي في الركاب فإنها، وهو في المجمل
1/124؛ واللسان (برد)؛ وأساس البلاغة ص 19؛ وشمس العلوم 1/152)
ويقال: برده أيضا، وقيل: قد جا أبرد؟؟، وليس بصحيح (قال ابن منظور: ولا
يقال أبردته إلا في لغة رديئة)، ومنه البرادة لما يبرد الما، ويقال: برد
كذا، إذا ثبت (انظر: الأفعال 4/79) ثبوت البرد، واختصاص للثبوت بالبرد
كاختصاص الحرارة بالحر، فيقال: برد كذا، أي: ثبت، كما يقال: برد عليه دين.
قال الشاعر: اليوم يوم بارد سمومه *** (هذا شطر بيت وعجزه من جزع اليوم فلا
تلومه، ولم ينسب، وهو في اللسان (برد)؛ والمجمل 1/104؛ والأفعال 4/79؛
والجمهرة 1/240؛ وتهذيب اللغة 13/105)
وقال الآخر: قد برد الموت على مصطلاه أي برود (البيت تمامه: بارز ناجذاه قد
برد الموت على مصطلاه أي برود، وهو لأبي زبيد الطائي في اللسان (برد)؛
وديوانه ص 594؛ وأمالي اليزيدي ص 9؛ وتهذيب اللغة 14/105؛ والمعاني الكبير
2/859؛ ونظام الغريب ص 13) أي: ثبت، يقال: لم يبرد بيدي شيء، أي: لم يثبت،
وبرد الإنسان: مات.
وبرده: قتله، ومنه: السيوف البوادر، وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة
بفقدان الروح، أو لما يعرض له من السكون، وقولهم للنوم، برد، إما لما يعرض
عليه من البرد في ظاهر جلده، أو لما يعرض له من السكون، وقد علم أن النوم
من جنس الموت لقوله عز وجل: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ في منامها﴾ الزمر/42، وقال: ﴿لَا
يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ
عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ النبأ/24 أي: نوما.
وعيش بارد، أي طيب، اعتبارا بما يجد الإنسان في اللذة في الحر من البرد، أو بما يجد من السكون.
والأبردان: الغداة والعشي؛ لكونهما أبرد الأوقات في النهار، والبرد: ما
يبرد من المطر في الهواء فيصلب، وبرد السحاب: اختص بالبرد، وسحاب أبرد
وبرد: ذو برد، قال الله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ
فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ النور/43. والبردي: نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتا به،
وقيل: (أصل كل داء البردة) (الحديث ضعيف، أخرجه أبو نعيم والمستغفري
والدارقطني في العلل بسند فيه تمام بن نجيح، ضعفه الدارقطني ووثقه ابن معين
وغيره، عن أنس رفعه. ولأبي نعيم أيضا عن ابن عباس مرفوعا مثله، ومن حديث
عمر بن الحارث عن أبي سعيد رفعهك (أصل كل داء البردة) ومفرداتها ضعيفة.
وقال الدارقطني كغيره: الأشبه بالصواب أنه من قول الحسن البصري، وحكاه في
الفائق من كلام ابن مسعود. راجع: كشف الخفاء 1/132؛ والفائق 11/102) أي:
التخمة، وسميت بذلك لكونها عارضة من البرودة الطبيعية التي تعجز عن الهضم.
والبرود يقال لما يبرد به، ولما يبردن فيكون تارة فعولا في معنى فاعل،
وتارة في معنى مفعول، نحو: ماء برود، وثغر برود، كقولهم للكحل: برود. وبردت
الحديد: سحلته، من قولهم بردته، أي: قتلته، والبرادة ما يسقط، والمبرد:
الآلة التي يبرد بها.
والبرد في الطرق جمع البريد، وهم الذين يلزم كل واحد منهم موضعا منه
معلوما، ثم اعتبر فعله في تصرفه في المكان المخصوص به، فقيل لكل سريع: هو
يبرد، وقيل لجناحي الطائر: بريداه، اعتبارا بأن ذلك منه يجري مجرى البريد
من الناس في كونه متصرفا في طريقهن وذلك فرع على فرع حسب ما يبين في أصول
الاشتقاق.