هذا الفرعون اختلافاً كبيراً ....
وسنذكر في
هذا الموضوغ مختلف الآراء التي ذكرت في هذا الشأن، مذكرين بأن بعض هذه الآراء لم
يوضع بقصد بيان الحقيقة أو بحثاً عنها بل وضع لهدف سياسي وإن كان قد غُلّف بما قد
يبدو للقارئ بأنه حقائق تاريخية، كذلك فإن بعض النظريات التي وضعت اعتمد أصحابها
على حادثة معينة وبنوا عليها نظريتهم وراحوا يحاولون تفسير الأحداث كلها حسب
نظريتهم هذه ويلوون الحقائق يختلقون أحداثاً ليؤيدوا بها وجهة نظرهم.
ولا يخفى قصور هذه النظريات التي يجوز تسميتها بالنظريات (أحادية النظرة
) إذ هي تنظر إلى الأحداث من زاوية واحدة وتتجاهل الجوانب الأخرى ومن هنا تعددت
الآراء ولم تصل إلى نتيجة مرضية.
ولما كان منهجنا هو النظرة الشاملة وربط القصص الديني بالأحداث
التاريخية، ومن هذا المنطلق رأينا أن الطريق السليم للوصول إلى الحقيقة في هذا
الشأن هو تحديد بعض النقاط الأساسية من قصة موسى عليه السلام يجب أن تستوفيها
النظرية المقترحة وكذلك تحديد صفات هذا الفرعون مما جاء عنه في الكتب المقدسة وعلى
رأسها بالطبع القرآن الكريم صحيح أن القرآن الكريم هو كتاب هداية وإيمان، ركّز عند
سرد القصص على الجانب الإيماني والعبرة التي تستقى منها ولكنه في نفس الوقت إذا
أشار إلى حدث معين أو واقعة معينة فقوله هو القول الحق الذي لا يمكن التغاضي عنه أو
إيراد ما يتعارض معه وما سكت عنه القرآن الكريم لا بأس من أن نبحث عما ورد في
التوراة بشأنه مدركين ما قد أصاب بعض نصوصها من تحريف وتبديل إذ التوراة التي بين
أيدينا هي في حقيقتها سيرة موسى عليه السلام وقد مزج كاتبو التوراة بين ما أوحى
إليه من الله وبين أحاديثه الشخصية مضافاً إليها تفسيراتهم لبعض الأحداث واعتماداً
على هذه الإضافات الأخيرة فإننا لا نرى بأساً من التجاوز عن معلومة تاريخية وردت في
التوراة إذا ارتأينا أنها تتعارض مع حقائق أخرى أو أنها تقف حجر عثرة في سبيل نظرية
متكاملة.
وأخيراً فإن هناك ملحوظة جديرة بالذكر، وهي صمت الآثار المصرية التام عن
هذا الموضوع الخطير – موضوع بني إسرائيل وموسى – مع ما هو معروف عن الكتابات
المصرية – على جدران العابد والآثار – من دقتها في تسجيل الأحداث ويعلل (سميث) سكوت
الآثار المصرية عن قصة الخروج – أي خروج بني إسرائيل من مصر – بأنها من وجهة النظر
المصرية الفرعونية لا تزيد عن كونها فرار مجموعة من العبيد من سادتهم المصريين وما
كانت هذه بالحادثة التي تسجل على جدران المعابد أو التي تقام لها الآثار لتسجيلها
(J.W. Smith God & man in Earty Israel. P38)
كما أنه من المؤكد أن هذه التسجيلات لم تكن – كما نقول بلغة عصرنا –
صحافة حرة تسجل الأحداث كما وقعت – بل لا بد كانت تحت رقابة صارمة من الفراعنة فلا
تسجل إلا ما يسمح به الفراعين أنفسهم ويكون فيه تمجيد لهم ولما كان الفراعنة يدّعون
أنهم من نسل الآلهة فليس من المتصور أن تسجل على المعابد دعوة موسى لإله أكبر هو رب
العالمين، كما أنه من غير المعقول تسجيل فشل الفرعون في منع خروج بني إسرائيل فضلاً
عن غرقه أثناء مطاردتهم، إذ أنها أحداث يجب فرض تعتيم إعلامي كامل عليها وعلى كل ما
يتعلق بها والعمل على محوها من ذاكرة الأمة وهو أمر غير مستغرب.. بل ويحدث في
أيامنا هذه وكم من حقائق عملت الرقابة والمخابرات على إخفائها عن الشعوب!
وإزاء تعدد الآراء في تحديد شخصية من هو
فرعون موسى فقد وجدنا
أن الأسلوب الأمثل الواجب اتباعه هو وضع النقاط الأساسية الثابتة ثبوتاً لا يرقى
إليه الشك ثم عرض النظريات المختلفة – واحدة تلو الأخرى – على هذه النقاط الأساسية
وإذا لم تكن تستوفيها تم استبعادها حتى تصل إلى النظرية التي تستوفي هذه النقاط
الأساسية – كلها – أو أكبر عدد منها فتكون هي النظرية الصحيحة.